ليالي الحب والشوق أقبلت، ليالي العشر الأخيرة من رمضان، التي لا تحمل معها إلا عنوانا واحدا هو: الاجتهاد، وهو عنوانها الأكبر، إذ به يصل المرء إلى ربه، وهو يعلم أنها أيام معدودات، يقوده فيها الحب والشوق إلى الله تعالى.
يقول الحسن البصري (رحمه الله): "القلب الذي يحب الله يحب التعب ويُؤثر النصب، هيهات لا ينال الجنة من يُؤثر الراحة، مَنْ أحب الله سخا بنفسه إن صدق وترك الأماني
الأعمال الصالحة فيها1 - إحياء الليل:
فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزر ومعنى إحياء الليل: أي استغرقه بالسهر في الصلاة والذكر وغيرهما، وقد جاء عند النسائي عنها أنها قالت: لا أعلم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة حتى أصبح ولا صام شهرا كاملا قط غير رمضان".
2 - الاعتكاف:
روى البخاري أنه (عليه الصلاة والسلام) اعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين يوما.
قال الإمام الزهري (رحمة الله): "عجبا للمسلمين؛ تركوا الاعتكاف مع أن النبي (صلى الله عليه وسلم) ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل".
3 - تنويع العبادة:
فقد ورد أن النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) كان يجتهد فيها أكثر مما يجتهد في غيرِهِا، وهذا شاملٌ للاجتهاد في جميع أنواع العبادات من صلاة وقرآن وذكر وصدقة وغيرها؛ ولأنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) كان يَشدُّ مئزرَه يعْني يعتزلُ نساءَه ليتفَرغَ للصلاةِ والذكرِ، ولأنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) كان يُحْيي ليلَه بالقيامِ والقراءةِ والذكرِ بقلبه ولسانِه وجوارِحِه لِشَرفِ هذه الليالِي وطلبا لليلةِ الْقَدْرِ التي مَنْ قامها إيمانَا واحتسابا غَفَرَ اللهُ له ما تقدمَ من ذنبه.
4- إيقاظ الأهل:
5 – الإكثــار من الدعـــاء:
فالليالي ليالي بر وخير وإحسان، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) للصائم دعوة عند فطره لا ترد، وأخبر (صلى الله عليه وسلم) أن الله تعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل فيقول: هل من داعٍ فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له. وحين سألته عائشة (رضي الله عنها) فقالت له: "أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". (رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني).
6 - الابتعاد عن التنازع والخصام:
لأنه سببٌ في منع الخير وخفائه فعن عبادة بن الصامت قال: خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) ليخبرنا ليلة القدر فتلاحى -أي تخاصم وتنازع- رجلان من المسلمين، فقال: "خرجتُ لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرُفعت" (رواه البخاري).
7 – كثرة تلاوة القرآن:
فإن كنت تختمه كل أسبوع مرة في الأيام العشرين الأولى من رمضان، فاختمه كل ثلاث ليال في العشر الأخيرة من رمضان، وإن كنت تختمه كل ثلاثة أيام فاختمه في العشر الأخيرة في كل ليلة مرة، ولقد كان هذا هو عمل السلف، فقد روي أن الأسود بن يزيد (رحمه الله) كان يختم المصحف في ست ليالي فإذا دخل رمضان ختمه في ثلاث ليال، فإذا دخلت العشر ختمه في كل ليلة، وكان الشافعي (رحمة الله) يختمه في العشر في كل ليلة وكذا روي عن أبي حنيفة (رحمه الله).
وقد أفاد الحافظ بن رجب (رحمه الله) أن النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث إنما هو على الوجه المعتاد، أما في الأماكن الفاضلة كمكة لمن دخلها أو في الأوقات الفاضلة كشهر رمضان والعشر منه فلا يكره وعليه عمل السلف.
8 – الاغتسال ولبس الجديد من الثياب:
وذكر ابن جرير (رحمه الله) "أن كثيرا من السلف الصالح كانوا يغتسلون في كل ليلة من ليالي العشر، كان يفعل ذلك أيوب السختياني (رحمه الله)، وكان يفعله الإمام مالك (رحمه الله) فيما يرجح عنده أنه من ليالي القدر، فيغتسل ويتطيب ويلبس حلة لا يلبسها إلى العام القادم من شهر رمضان، وكان غيرهم يفعل مثل ذلك.
فهيا إخواني، لتكن لنا وثبة في هذه الليالي العشر إلى الجنة وإلى رضوان الله، ولنجتهد قدر طاقتنا، ولنتذكر أن المحروم في هذا الشهر مَنْ حُرِمَ مغفرة الذنوب والعتق من النار، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عتقائه من النار ومن المقبولين.
منقول للفائدة